سيتذكر التاريخ يوم 3 نوفمبر 2007 باعتباره يوماً من أخطر الأيام في التاريخ الباكستاني بأسره. دعونا نكون واضحين تماماً حول هذا الأمر، ونقول إن باكستان دولة يحكمها العسكر، وإن الجنرال "برويز مشرف" الذي يقود المؤسسة العسكرية المتحكمة في أمور البلاد، قد تخلى في ذلك اليوم عن كل ادعاءاته الخاصة بالتحول الديمقراطي، وأقدم على ما يمكن وصفه بالفعل بأنه "انقلاب" آخر على الدستور. وبقيامه بذلك، فإن الجنرال عرض مستقبل باكستان، وقدرتها على البقاء للخطر، كما وضع القوى الديمقراطية في البلاد أمام خيار صعب: إما الخضوع أمام جبروت المؤسسة العسكرية، وإما الخروج إلى الشوارع والتعبير عن رأيها فيما يحدث علناً من أجل إظهار الموقف الحقيقي للشعب الباكستاني أمام العالم، الذي يشاهد الآن لحظة بلحظة ما يحدث في بلاده. والجنرال مشرف لم يضع القوى الديمقراطية في باكستان وحدها أمام خيار صعب، بل إن الحقيقة هي أنه وضع دول العالم الديمقراطي -وخصوصاً في الغرب- أمام سؤال مؤداه: هل سيتوجب عليهم تعزيز خطابهم الديمقراطي بعمل ملموس، أم أنهم سيتراجعون مرة أخرى -كما تراجعوا من قبل- أمام ادعاءات الجنرال. في رأيي، أن النظام يدرك جيداً أن أية انتخابات حُرة ستطيح به، وهو ما دفعه للتحوُّط للأمر والتواطؤ مع حلفائه داخل أجهزة الاستخبارات المختلفة، على تعليق العمل بالدستور وتأجيل الانتخابات إلى أجل غير مسمى. وقد لجأ الجنرال في سبيل ذلك، إلى استثمار محاولة الاغتيال التي تعرضتُ لها الشهر الماضي، والتي أسفرت عن مصرع 140 شخصاً وإصابة مئات غيرهم، كسبب منطقي يستند إليه لتعطيل العملية الديمقراطية وتأجيل الانتخابات البرلمانية التي كان الاحتمال الأكثر ترجيحاً هو أن يكتسحها "حزب الشعب" الذي أتشرف برئاسته. ولعل في هذا تفسيراً للأسباب التي دفعت الحكومة الباكستانية لرفض السماح لعناصر من مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي" إف. بي. آي" وجهاز الأمن والاستخبارات البريطاني"سكوتلاند يارد" بتقديم المساعدة في إجراء التحقيقات الجنائية المتعلقة بمحاولة الاغتيال التي تعرضتُ لها بعد عودتي للبلاد من الخارج. إن المظاهرات تندلع في مختلف أنحاء باكستان في الوقت الذي أكتب فيه هذا المقال، وقد رأينا جميعاً كيف قامت الشرطة، وبأسلوب بالغ القسوة، باعتقال أعضاء أحزاب المعارضة، والمحامين، والقضاة، وناشطي جماعات حقوق الإنسان، والصحفيين، دون سند كافٍ من قانون. وليس هذا فحسب، بل إنه يعتقد أيضاً أن كبير قضاة المحكمة العليا وغيره من القضاة، هم الآن رهن الإقامة الجبرية. إن الولايات المتحدة وبريطانيا والكثير من دول الغرب، كانت تقول دوماً الأشياء الصائبة حول الديمقراطية سواء في باكستان أو غيرها من دول العالم. وإنني أتذكر في هذا السياق ما قاله الرئيس الأميركي "جورج بوش" في الخطاب الذي دشن به فترة ولايته الثانية وهو: "على جميع الذين يعيشون تحت نير الطغيان واليأس أن يعرفوا أن الولايات المتحدة لن تتجاهل ما يتعرضون له من قمع.. وأنها لن تغفر لقامعيهم.. وأنهم عندما يقفون مطالبين بحريتهم، فإننا سوف نقف معهم". هذا ما كان قد قاله الرئيس، بوش ولكننا رأينا أيضاً أن الولايات المتحدة وحدها قد قدمت لحكومة مشرف مساعدات تزيد على 10 مليارات دولار منذ عام 2001. ونحن لا نعرف بالضبط أين أنفقت تلك الأموال الطائلة، ولا كيف أنفقت؟ ولكن الأمر الواضح أمامنا أنها لم تؤدِّ إلى إلحاق الهزيمة بـ"طالبان"، و"القاعدة"، ولا القبض على أسامة بن لادن، ولا القضاء على زراعة نبات الخشخاش، كما لم تؤد إلى تحسين نوعية الحياة لأطفال باكستان وأسرها. إن الولايات المتحدة هي الدولة القادرة على الترويج للديمقراطية، التي تعتبر في رأيي هي الطريقة الوحيدة حقاً لاحتواء التطرف والإرهاب، وهي الدولة القادرة على أن تقول لمشرف إنها لا تقبل بأحكامه العرفية، وإنها تتوقع منه أن يجري انتخابات حرة ونزيهة وغير منحازة ومراقبة دولياً خلال 60 يوماً، تحت إشراف لجنة انتخابية مُعاد تشكيلها، وأنه إذا لم يفعل ذلك فسوف يعرض نفسه للعزلة الدولية. وعلى رغم أن العالم ينبغي أن يقوم بدوره لمواجهة ما أقدم عليه الجنرال، إلا أن المسؤول الأول عن هذه المواجهة في رأيي هو الشعب الباكستاني نفسه، الذي يجب أن ينهض عن بكرة أبيه ويقول للجنرال إن الحكم العرفي لن يكون قادراً على الاستمرار. إن الشعب الباكستاني شعب معتدل في أغلبيته، وهو ما يجعلني أشعر بالأمل بأن أبناء هذا الشعب سوف يكونون قادرين على الاتحاد وتكوين تحالف للاعتدال، كي يهمشوا الاستبداد والإرهاب في آن معاً، ويستردوا الصفة المدنية للحكم في باكستان، ويغلقوا المدارس السياسية التي تتغطى بالصفة الإسلامية وتستخدم من أجل تخزين السلاح والتبشير بالعنف. على رغم أن التصدي للطغيان العسكري أمر خطر في حد ذاته، إلا أن الأمر الأخطر هو ألا يتم التصدي لذلك الطغيان من الأساس. إن الوقت قد حان كي ترينا الديمقراطيات الغربية -بأفعالها هذه المرة وليس بأقوالها- إلى أي جانب ستقف، في النهاية. ــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز